ما أشد الحاجة إلى الصبر، لاسيما في هذه الأزمان التي اشتدت فيها الغربة، وكثرت فيها الفتن، وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر
إن هذه الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء، فلا يسلم المؤمن في هذه الدار الدنيا من المصائب، فمن فيها لم يصب بمصيبة؟
تعريف الصبر
الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به صاحبه من فعل ما لا يحسن، ولا يجمل
وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك
فضل الصبر من الكتاب و السنة
إن الله تعالى قد جعل للصابرين ما ليس لغيرهم؛ قال تعال
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155- 157]
والمصيبة كل ما يؤذي الإنسان ويصيبه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
نعم العدلان، ونعمت العلاوة للصابرين. يقصد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الهدى
وقال تعالى
(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10]
- كما فاز الصابرون بمعية الرحمن، (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46]، فهو معهم يثبت قلوبهم ويحوطهم بعنايته وتأييده
- والصابرون هم أهل الإمامة في الدين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة:24]
- وهم أهل محبة الله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146]
- ثم هم يفوزون بالجنة و النجاة من النار: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:111
- وما من مصيبة تصيب العبد إلاَّ كفر الله بها عنه
وإليك أيها القارئ الكريم هذه الطائفة العطرة من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضيلة الصبر والصابرين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر". [رواه البخاري ومسلم]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
:
"من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه" أي يصيبه ببلاء. [رواه البخاري ومالك]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ما من مصيبة تصيب المؤمن إلاَّ كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يُشَاكُها". [رواه البخاري ومسلم
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله خيرًا منها"
فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
السلف الصالح و الصبر
قال عمر بن عبد العزيز
ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلاَّ كان ما عوضه خيرًا مما انتزع
وقال يونس بن زيد
سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم يصيبه المصيبة مثل قبل أن تصيبه
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى
(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24]. قال
صبروا على ما أمروا به، وصبروا عمَّا نهو عنه
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه
إنا لله عز وجل إذا قضى قضاءً أحبَّ أن يُرضى به
وقال الحسن
من رضي بما قسم له وسعه وبارك الله فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه
وقال بعضهم
من لم يرضى بالقضاء فليس لحمقه دواء
ِ
دوافع تعين على الصبر
هناك أمور كثيرة تعين على الصبر، وسنسردها سردًا بغير ذكرٍ لأدلتها خشية الإطالة، ومنها
تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر
اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله تعالى
تذكر كثرة نعم الله عليه
العلم بأن الجزع وقلة الصبر لا ترد المصيبة
استحضار الأجر والثواب، والتفكر في عاقبة الصبر
العلم بأن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه
استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون
أن يعلم أن زمن البلاء ساعة وستنقضي
مطالعة سير السابقين من الصالحين، ودراسة مواقفهم المباركة في الصبر ليأنس بهم
نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين
منقول بتصرف